الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فلا يخفى على مسلم أن الإيمان له أركان وثمرات ومن تلك الثمرات ما قد يجده البعض من المؤمنين من أحساس داخلي فيتلذذ به وهو ما يعبر بحلاوة الإيمان ، وهذه الحلاوة قد يحصل عليه المسلم عندما يسلك بنفسه وسيلة من الوسائل التي توصله إلى هذه النتيجة ومن تلك الوسائل ما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يحب الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) (رواه البخاري 1/30 و مسلم 2/210).
وهذا الصحابي أبو حمزة أنس بن مالك عندما يروي هذا الحديث إنما يرويه وهو القريب من نبي هذه الأمة عليه الصلاة والسلام الذي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة طويلة . يقول الذهبي رحمه الله كما في (سير أعلام النبلاء3/395) صحب أنس بن مالك رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم أتم الصحبة ولازمه أكمل الملازمة منذ أن هاجر وإلى أن مات وغزا معه غير مرة وبايع تحت الشجرة روى الترمذي وغيره أنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما ضربني، ولا سبني، ولا عبس في وجهي، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة المال والولد، فاستجيب دعاؤه صلى الله عليه وسلم، فبلغ أولاده قبيل موته أكثر من مائة، مات سنة إحدى وتسعين، وقيل بعدها، وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة حزن له الناس حزناً شديداً، حتى قيل: قد ذهب نصف العلم .
ونقل ابن حجر عن الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة أنه قال إنما عبّر بالحلاوة؛ لأن الله شبه الإيمان بالشجرة في قوله تعالى: )ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة)، (سورة إبراهيم آية 24).فالكلمة هي كلمة الإخلاص،والشجرة أصل الإيمان، وأغصانها اتباع الأوامر واجتناب النواهي، وورقها ما يهتم به المؤمن من الخير، وثمرها عمل الطاعات، وحلاوة الثمر جني الثمرة، وغاية كماله تناهي نضج الثمرة، وبه تظهر حلاوتها) (فتح الباري 1/60)
والإيمان بالله تعالى له حلاوةٌ لا يتذوق طعمها إلا المؤمنون الصادقون الذين يتصفون بصفات تؤهلهم لذلك، وليس كل من ادعى الإيمان يجد هذه الحلاوة.
فمحبة الله تعالى، ومن ثم محبة رسوله صلى الله عليه وسلم من أهم صفات من يتذوق طعم الإيمان، فمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يعلو عليها أي محبة، بل هي مقدمة على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين لما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شئ إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب اليك من نفسك فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الآن يا عمر). (رواه البخاري برقم 6632) وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ اليه من والده وولده والناس أجمعين). (رواه البخاري برقم 15).
ويلزم هذه المحبة الاستجابة لأمر لله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم مع الرضى والتسليم التام قال تعالى: (قل أن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله). (سورة آل عمران آية 31).
وذكر ابن القيم رحمه الله الأسباب الجالبة لمحبة الله تعالى بعد فعل الفرائض ومنها:
1ـ قراءة القرآن بتدبر وتمعن.
2ـ التقرب إلى الله بالنوافل.
3ـ دوام ذكره على كل حال بالسان والقلب والعمل.
4ـ إيثار محابّه على مَحابّ النفس.
5ـ مجالسة المحبين الصادقين.
6ـ مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله .(مدارج السالكين 3/17)
ولمحبة النبي صلى الله عليه وسلم علاماتٌ منها:
1ـ الإيمان بأنه رسول من عند الله أرسله الى الناس كافة بشيراً ونذيراً، وداعياً الى الله وسراجاً منيراً.
2ـ تمنّي رؤيته صلى الله عليه وسلم والحزن على فقدها.
3ـ امتثال أوامره صلى الله عليه وسلم واجتناب نواهيه، فالمحب لمن يحب مطيع، فمن خداع النفس أن تدعى محبته وتخالف أوامره وترتكب نواهيه.
4ـ نصر سنته، والعمل بها، ونشرها، والذب عنها، والمجاهدة في سبيل ذلك.
5ـ كثرة الصلاة والسلام عليه.
6ـ التخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه.
7ـ محبة أصدقائه، والذبّ عنهم.
8ـ محبة الاطلاع على سيرته، ومعرفة أخباره.
وينبغي أن تكون العلاقة بين المسلم وأخيه المسلم قائمة على المحبة في الله تعالى، ولهذه المحبة فضل عظيم وثواب جزيل من ذلك ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلّهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظلّه...) وذكر منهم (رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وافترقا عليه). (رواه البخاري 1/209 ومسلم برقم 1031).
والمحبة في الله تقتضي بعض الحقوق التي للمسلم على المسلم ومنها
قضاء الحاجات والقيام بها فخير الناس أنفعهم للناس، والسكوت عن ذكر العيوب والتماس العذر له عند وقوع الخطأ منه ،وعدم الغلّ والحقد والحسد لما أنعم الله به على أخيك، والدعاء له في ظهر الغيب ، ومبادرته بالتحية والسلام، والسؤال عن الأحوال، والتفقد لها، وعدم الكبر والغرور،والنصح له .
ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصالح